صناعة محتوى الجوهر وصناعة محتوى المظهر
بقلم دكتور / ياسر قطب


مقـــــــدمة …

في عالم تتسارع فيه التغيرات الرقمية وتتزاحم فيه الرسائل الإعلامية، أصبح صوت المظهر أعلى من صوت الجوهر. كثير من المؤسسات والأفراد يسعون وراء الإبهار اللحظي، بينما يغفلون عن أن القيمة الحقيقية للمحتوى تكمن في عمقه وتأثيره الممتد .

من هذا المنطلق، يقدّم هذا المقال طرحًا تحليليًا يوضّح الفارق الجوهري بين صناعة محتوى يركّز على الجوهر وصناعة محتوى يقتصر على المظهر، مع استعراض نماذج تطبيقية وأبعاد فلسفية ونفسية تساعد في إعادة صياغة رؤية واعية لصناعة المحتوى في العصر الرقمي

1️⃣ محتوى المظهر : اللمعان السريع

في زمن السرعة الرقمية، يسهل إنتاج محتوى لامع ظاهريًا يحقق انتشارًا واسعًا في فترة قصيرة .
هو محتوى يعتمد على :
⏺︎ عناوين مثيرة ،
⏺︎ صور جاذبة ،
⏺︎ وتصاميم صاخبة .
لكن هذا النمط من المحتوى غالبًا سطحي وقصير العمر؛ إذ يفتقر إلى العمق ولا يترك أثرًا معرفيًا أو مهنيًا واضحًا.
“المظهر قد يخدع للحظة… لكنه لا يصنع ذاكرة ولا وعيًا.”


2️⃣ محتوى الجوهر: العمق والبقاء


على النقيض، فإن صناعة محتوى الجوهر عملية أكثر عمقًا واستدامة، تتطلب :
⏺︎ بحثًا وتحليلًا علميًا ،
⏺︎ وعيًا بالفئة المستهدفة واحتياجاتها ،
⏺︎ وتوظيفًا احترافيًا للأدوات الرقمية .
هذا المحتوى لا يركّز على الانتشار اللحظي فقط، بل يبني هوية فكرية ومهنية متينة، تترسخ في أذهان الجمهور وتحقق أثرًا طويل الأمد .
“صناعة الجوهر رحلة عمر… لأنها تبني وعيًا قبل أن تبني جمهورًا.”

3️⃣ التوازن بين الجوهر والمظهر


النجاح في صناعة المحتوى لا يتحقق بالمبالغة في أحد الطرفين، بل بـ تحقيق التوازن بين العمق والجاذبية .
⏺︎ المظهر يجذب الانتباه ،
⏺︎ أما الجوهر في يحافظ على الثقة والمصداقية .
فالمحتوى المتوازن هو الذي يقدم رسالة عميقة بلغة بصرية مهنية تعكس هوية العلامة أو المؤسسة، ليجمع بين الجاذبية والعمق في آن واحد .

4️⃣ نماذج تطبيقية

🔵 في الإعلام الرقمي
محتوى الجوهر : برامج تعليمية متخصصة، مقالات تحليلية موثقة، دورات تدريبية احترافية.
محتوى المظهر: مقاطع سريعة تعتمد على الترفيه البصري أو العناوين المثيرة فقط

🔵 في العلامات التجارية
محتوى الجوهر: استراتيجية متكاملة تبني هوية حقيقية وقيمة واضحة للمتابعين والعملاء .
محتوى المظهر: حملات تسويقية براقة دون مضمون أو رسائل واضحة .

5️⃣ الرؤية الفلسفية والنفسية

فلسفيًا : الجوهر هو ما يرسّخ العلامة في الوعي الجمعي، لأن الأفكار العميقة تبقى بينما المظاهر تتغير .
نفسيًا : المحتوى العميق يعزّز الانتماء والثقة ويخلق ارتباطًا طويل الأمد بين المؤسسة وجمهورها .
“المحتوى الذي يزرع فكرة… يثمر أثرًا خالدًا.”

6️⃣ استشهادات ودعم علمي

⏺︎ أكدت دراسة لـ American Psychological Association (2023) أن المحتوى العميق يسهم في بناء جسور ثقة بين المؤسسات والجمهور .
⏺︎ يشير تقرير UNESCO (2022) حول مستقبل التعليم إلى أن المعرفة المستدامة تُبنى على محتوى ذي قيمة حقيقية، لا على الإثارة المؤقتة .
⏺︎ يرى Clough et al. (2002) في نظرية Mental Toughness أن العمق والتوازن في طرح الأفكار يعزز التأثير النفسي والمعرفي للمحتوى .

ختـــــــاما ….

في عصر تتسارع فيه التطورات الرقمية، يبقى صوت الجوهر أقوى من صخب المظهر. فالمحتوى الذي يُبنى على فكر عميق ورؤية واضحة يحقق استدامة ونجاحًا طويل الأمد، ويعكس هوية المؤسسة ورؤيتها بوضوح وثقة .
“المحتوى الذي يحمل جوهرًا… لا ينتهي أثره بانتهاء اللحظة.”

د / ياسر قطب .. خبير ريادة الاعمال ووكيل المعهد بدولة قطر 

 

 

التعليقات معطلة.