يواجه الأب والأم صعوبة كبيرة في تربية الأطفال، من حيث التعامل مع أطباعهم وسلوكيّاتهم؛ فيبدؤون بالبحث عن الطرق المساعدة في بناء شخصية سويّة ومتوازنة لهم .
في هذا الكتاب نتعرّف على قواعد مهمّة للوصول إلى الصحّة النفسيّة للطفل المبنيّة على أسس علميّة وتجارب عمليّة في كل المجالات المتعلقة بالطفل.
عشرون قاعدة تربويّة نهديها إلى كل أم وأب يحرصان على أن يحظى طفلهما بشخصيّة مستقلّة متوازنة توفّر له حياة مستقرّة على المدى الطويل.
عشرون قاعدة تتمحور بشكل ملخص ومركّز حول الطرق التي تؤدّي إلى تنمية طفل سويّ ومتوازن نفسيّا دون الدخول في نظريّات تربويّة قد ترهق الوالدين .
عشرون قاعدة أبحرنا من خلالها إلى أعماق الطفل النفسيّة فدرسنا الآثار السلبيّة والإيجابّيّة التي قد تنتج عن كلّ قاعدة.
القاعدة الأولى: القراءة في الجانب التربوي
التربية السليمة تعني استثمارًا طويل الأمد ونشأة طفل سويّ ومتوازن، وهذا أمر يدركه جميع الأهل؛ إلّا أنّهم يقعون في فخّ الأخطاء الشائعة والتي يحملها طفلهم معهم لسنواتٍ طويلة فمنهم من يتخلّص من أثارها بعد معاناة ومنهم من يفشل في ذلك
وحتّى لا تقع في هذه الأخطاء التربويّة فلا بد لك من أن:
• تقوم بتوسيع مداركك في الجانب التربوي، من خلال قراءة الكتب الخاصة بتربية الأبناء.
• أن تبحث في مجال تربية الأطفال ومعرفة سماتهم وخصائصهم النفسيّة والاجتماعيّة والمعرفيّة.
فهذا يساعدك على أن :
o تعرف دورك النفسي والخطير في ضبط وتشكيل الإدراك النفسي لطفلك.
o تفهّم الأخطاء التي تحدث الخلل النفسي في طفلك كي تتفاداها.
o تأخذ فكرة عميقة عن مشاعر طفلك في المواقف المختلفة ممّا يؤهلك ذلك إلى حسن إدارتك للمواقف معه.
o يساعدك على مواكبة طفلك في نوعيّات الثقافة التي تقدم في كل مرحلة.
القاعدة الثانية: ربط تربية الأطفال بالله سبحانه وتعالى
اربط تربيتك لطفلك بالله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال غرس محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في طفلك منذ الصغر حتى يتولّد عنده مراقبة الله له في السرّ والعلن، ولكي تستطيع أن تضع العبادات في أرض خصبة في مراحل قادمة.
كيف تغرس حب الله في قلب طفلك ؟
طفلك حتماً سيلمس هذه المحبة من خلال وجودك كقدوة حيّة وملموسة أمامه ومتمثلة في سلوكك خاصّة .
أذكر اسم الله تعالى أمامه من خلال مواقف محبّبة سارّة (أنّ أكل الطعام شكر الله – وأنّ لبس الجديد حمد الله …).
وأن صاحبته إلى الطبيعة دلّه على روعة الله ….فهذا من شأنه أن يملأ قلبه الصّغير بحبّه سبحانه .
إبدأ بالترغيب بدلًا من الترهيب فيكون أساس شعوره الديني عنده الحب والرجاء .
كلّ هذه الأمور تترك أثرًا كبيرًا في معالم شخصيته، فيخرج للمجتمع في المستقبل شخصًا صالحًا يستشعر معيّة الله وعظمته في كل شؤون ومراحل حياته
القاعدة الثالثة: توفير حاجات الطفل النفسية
من حق طفلك أن تُوفِّر له حاجاته النفسيّة وأن تشبعه عاطفيًّا بشكلٍ متوازنٍ حتّى تحقّق له التّوازن والاستقرار النفسي.
ما هي هذه الحاجات التي يحتاجها ؟؟
• طفلك يحتاج التقبّل؛ أي أن تتقبّله كما هو في شكله ولونه وصوته.
• يحتاج أن يشعر أنّه محبوب حبًّا غير مشروط لا يشوبه الخوف.
• يحتاج حضنك … يحتاج طمأنيتك.
• يحتاج إلى الشّعور بالانتماء والأمن ..يحتاج إلى أن يشعر أنّه جزء من الأسرة حتى يشعر بالأمان الدّاخلي.
• يحتاج إلى احترام ذاته، فهو يشكّل صورة عن نفسه من خلال عينيك وكلماتك وأفعالك وابتسامتك.
• يحتاج إلى تقديرك واهتمامك وإشباع هذه الحاجة وزرع الثقة فيه واكتساب ثقته .
• يحتاج إلى الاستقلال والحريّة في القول والفعل ليتمكّن من التعبيرعن رأيه دون خوف أو كبت .
• يحتاج إلى الشعور بتأكيد ذاته وأنّه كفء يستطيع تحقيق ذلك والتعبير عن نفسه في حدود قدراته وإمكاناته.
• يحتاج إلى أن تتبادل معه الحوار من دون تحقيق أو محاكمة بعيدًا عن التنافر … يحتاج أذانًا صاغية وقلوبًا منفتحة؛ لا مجرّد مجاملة ومسايرة لفض النزاع .
القاعدة الرابعة: توفير البيئة الآمنة والسلام النفسي
الحياة العائلية هي الملجأ الآمن للطفل والمكان الذي يشعر فيه بالرّاحة؛ وكلّما نشأ الطفل في بيئة أسريّة متّزنة نفسيّا تحتضنه وتعطيه الاهتمام والرّعاية، كلّما أصبح الطفل ذو نشأة صحيحة نفسيًّا وروحيًّا وإن كانت النشأة في بيئة مرهقة ذات مشاكل وخلافات حادّة انعكست سلبًا على نفسيته.
فنراه يعاني من:
افتقاده القدوة والانتماء للأسرة وزعزته للثقة والأمان.
شعوره بعدم الأمان والخوف من أيّ مؤثر خارجي.
نفوره من والديه وتدهور العلاقة بينهما.
إصابته بالانعزال الاجتماعي والابتعاد عن الآخرين.
تعرّضه للتوتر ويصبح أقل قدرة على التعامل مع مشاعره.
ضعف قدرته على ممارسة الضبط الذاتي لديه؛ فيصبح أكثر تهوّرًا وعصيانًا.
فقدانه للشهيّة أو معاناته من الشره المرضي.
اضطرابات النوم والأرق الليلي.
التبوّل اللّاإرادي أثناء النوم.
السوداويّة وفقدان الأمل.
تعلّمه لبعض السلوكيّات الخاطئة فيعتقد أنّ المشاكل تحل بالصّوت العالي والصراخ.
هروبه إلى بيئة أخرى للتفريغ مثل بيئة رفقاء السّوء.
تراجع تحصيله الدراسي وتشتّت ذهنه فيصبح غير قادر على التركيز والاستيعاب.
عدم قدرته على بناء علاقة زوجيّة ناجحة مستقبليًّا في بعض الأحيان بسبب تأثره بوالديه سابقا.
القاعدة الخامسة: الأهل قدوة
يولد الطفل من دون أيّ معرفة أو مهارات اجتماعيّة، وعند الوصول إلى سنّ معيّن، يبدأ بالبحث عن شخص ليحتذي به عن طريق مراقبة تصرفاته وتقليده، لأنّه لا يتعلّم بالتوجيهات والأوامر؛ فهو يحتاج الترجمة العمليّة لهذه الأوامر والتوجيهات وعادة ما يكون الوالدين هما القدوة التي يحتذي بها؛ لذا فإنّ وظيفة الوالدين الأساسيّة هي أن يكونا أفضل قدوة، لأنّ دورهما مهمّ جدًّا في صقل شخصيّته منذ الصغر.
وحتّى يستطيع الوالدين تحقيق ذلك :
عليهما أوّلًا إلقاء نظرة على حياتهما الخاصّة وتقييم تصرفاتهما اليوميّة.
أن ينتبها على سلوكيّاتهما وتصرّفاتهما الصادرة عنهما؛ فإن كانت القدوة سيئة فهذا يؤدّي إلى تكوين طفل غير فاعل ويشكّل عبئًا على المجتمع، وإن كانت القدوة حسنة وإيجابيّة فهنيئًا للمجتمع بفرد فعّال ينهض به.
القاعدة السادسة: غرس القيم في نفس طفلك
إذا أردت أن تحصد زهرة لا مثيل لها من الجمال عليك أن تلقي بذورها بطريقة صحيحة، وهكذا هو الحال في غرس القيم داخل طفلك، والتي هي جزء رئيسي في بناء شخصيّته ؛ حيث أنّها تساهم في منحه شخصيّة متوازنة وقويّة ومنسجمة مع المحيط الاجتماعي ذو قدرة على مواجهة المواقف والخيارات الصعبة.
القيم هي البوصلة الأخلاقية التي تساعده على تمييز الحق من الباطل وعلى مواجهة الخيارات الصعبة والمعقّدة، بالإضافة إلى أنّها تحمي طفلك من الوقوع في الأخطاء الكبيرة والتي تتنافى مع مبادئه وأخلاقه.
وحتى تغرس القيم في نفس طفلك يتطلّب ذلك منك:
الاحتواء العاطفي وإزالة الحواجز بينك وبين طفلك.
التحلّي بالصبر لأنّ غرس القيم يتطلب وقتًا ومتابعة دقيقة.
اختيار الوقت المناسب لغرس القيمة المناسبة لتحقيق الأثر.
وبإمكانك استخدام الأساليب المتعددة التي تساعدك على ذلك ومنها:
• الأسلوب القصصي واستغلال المواقف الحياتية.
• التعميم وعدم مواجهة طفلك بالنصيحة.
• الملاحظة والموعظة السريعة دون تفصيل وإسهاب.
• وجودك كقدوة حسنة، فلا خير في من يُعَلِّم الخُلُق الكريم وهو في منأى عن تطبيقه وترجمته على أرض الواقع.
• استخدام الفيديوات الهادفة المعينة على ذلك وتمثيل الأدوار، واعلم أن هذه الأنشطة ليس لها أيّ مضمون تربوي إن لم يصاحبها مشاعر إيجابيّة.
القاعدة السابعة: الاتفاق على نهج تربوي موحّد في تربية الأطفال
من أخطر الأمور الخاطئة التي يمارسها الوالدين هو عدم الاتّفاق على نهج تربوي موحّد في كيفية تربية الأطفال؛ فما يحاول أن يعلّمه الأب لطفله تمحيه الأم وبالعكس تماماً؛ ممّا يسنح للطفل فرصة بالتلاعب بهما؛ لذلك من المهم الاتّفاق على قواعد تربية موحّدة يفرضانها على طفلهما؛ وكما ينبغي عليهما إشراكه في وضعها….شرط أن تكون مناسبة لسنّه والمواقف المختلفة التي يواجهها.
حتّى لا يقع فريسة هذا الاختلاف ويؤثّر عليه سلبًا على المدى البعيد في أمور كثيرة، منها:
• زعزعة الثقة في نفسه.
• تشتّته وإرباكه في عدم تمييز الأسلوب الخاطىء من الصحيح.
• أن ترسّخ في ذهنه ضعف أحد والديه ممّا يسوقه ذلك إلى العصيان والعقوق.
• تولّد مشاعر العدائية نحو أحد الطرفين.
• حدوث الانحرافات بسبب عدم التوازن بين الحجب والضبط.
• استخدامه للحيل والمراوغة والكذب بسبب تستّر أحد الطرفين عن عيوبه وأخطائه.
• عدم القدرة على تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين سواء على المستوى الأسري أو الخارجي.
• وقوع الخلافات بين الأب والأم أمام أطفالهما.
• التجرّأ على الطرفين في مرحلة البلوغ .
القاعدة الثامنة: وضع قواعد وضوابط في تربية الأطفال
إذا أرَدتَ طفلًا منظمًا هادئًا …. فيجب أن يكون هناك قواعد وضوابط منظمة ومنطقيّة وثابتة يشارك هو في وضعها ويتقيّد بها جميع أفراد العائلة من دون استثناء، ولهذه القواعد فوائد كثيرة؛ فإنّها تساعد طفلك على تأدية المهام المطلوبة منه بأقلّ قدر من الصراع والمشاحنات؛ فيتعامل طفلك مع قواعد ثابتة حتى لو كانت لا تعجبه أو غير راضٍ عنها كثيرًا أفضل بكثير من تعامله مع أهل متقلّبي الآراء.
وحتّى تكون هذه القواعد ناجحة وفعّالة فلا بد أن تكون:
• واضحة ومحدّدة يفهمها الجميع بوضوح.
• منطقيّة ومفهومة وقابلة للتنفيذ.
• تتناسب مع عمره وإمكاناته وطاقاته.
• تحتوي على بنود الثواب عند الالتزام بتنفيذها، والإجراءات اللّازمة عند مخالفتها.
• المتابعة الكاملة والمحاسبة حتى لا تفقد مصداقيّتك أمام طفلك.
• التزامك الجدّي بتنفيذ الاتّفاق، ولا تبادر أبدًا بكسر أيّ قاعدة ولا تطلب أيّ استثناء لنفسك.
• اعتماد أسلوب التشجيع على السلوكيّات الإيجابيّة.
• استخدام اللّغة الإيجابيّة عند تذكيرهم بالقوانين.
أهميّة وضع القوانين والضوابط في البيت:
تُحْدّث توازنًا لطفلك بين معنى الحريّة ومعنى القيود.
يشعر طفلك بالأمان.
تساعد طفلك على فهم السلوكيّات المقبولة وغير المقبولة.
تجعل الحياة الأسريّة أكثر إيجابيّة وسلميّة.
يساعده في مراحل قادمة على اتّباع القواعد في أماكن أخرى.
تعلّمه الالتزام بالحدود وعدم إيذاء الآخرين.
تخفف من نوبات الغضب أو التوتر.
يساعد على تعديل سلوكيّاته غير المرغوب بها.
القاعدة التاسعة: أفصل دائرة الآخرين نفسيًّا عن حياة طفلك
لا توسّخ ثيابك …… حتّى لا يقول الآخرون عنك أنك طفل غير نظيف.
أدرس جيّدًا …… حتّى لا يقال عنك أنّك فاشل.
تحدّث جيّدًا …… حتّى يعرف النّاس أنّك مهذّب.
نظرة غير منطقية حول أهميّة آراء المحيطين تقدّمها لطفلك يعني …أنت هنا ترسخ في ذهنه
أنّ الآخرين هم الحكم في طريقة تربيتك له وفي تقويمه.
أنّ تقييمه لنفسه مبني على تقييم الاخرين.
أنّ الآخرين رأيهم لا يخطىء أبدًا.
أنّه يحقّ للآخرين التدخل في حياته في أيّ جانب شاؤوا.
وعلى هذا يترتب عليه كثير من الآثار السلبية التي ستنعكس عليه، ومن أهمها :
• ضعف التقدير الذاتي لديه.
• مركز الضّبط لديه خارجي وليس داخليًّا.
• يتحوّل تأثير النّاس في نفسه إلى عقبات تسبّب له الإحباط.
• اعتلال في الشخصيّة أو الإصابة برهاب العاطفة.
• تعلّق بالآخرين تعلّقًا مرضيًّا.
القاعدة العاشرة: للحماية حدود فلا تتعداها
حبّ الوالدين لأطفالهم يدفعهم للعناية بهم وحمايتهم من أيّ سوء أو أذى ؛ إلّا أنّ هناك بعض الأهل يبالغون كثيرًا في هذه الحماية فنراهم يطيلون معاملته كأنّه طفل رضيع… دائمًا بجانبهم… يلبّون احتياجاتهم…. يفرّطون في إعطاء التوجيهات ويتدخلون في شؤونهم ويتّخذون القرارات عنهم، ويقيمون بالواجبات بدلًا عنهم ….
يعني حراسة مبالغ فيها تملأ نفس طفلهما أنّه قد يتعرّض للأذى في كل لحظة فيشعر أنَّ هناك المخاطر غير المرئيَّة في المجتمع تشكِّل خطرًا عليه فيصبح كائن ساكن ليس لديه أيّ مبادرات.
ولهذه الحماية المفرطة في تربية الأطفال آثار عكسيّة على الطفل ومنها:
عدم تقدير الطفل لمشاعر الآخرين، ويتوقع دائمًا أن يأخذ منهم دون إعطاء المقابل.
تُنمّي الطباع السلبيّة لديه كالغرور والعدوانيّة والأنانيّة.
يصبح طفلًا اعتماديًّا غير مسؤول.
يصبح شخصيّة متنمّرة، غير مبالية.
يتولّد لديه شعور عدم احترام الذات.
تدني احترام وتقدير الذّات.
يفتقد المرونة والثّقة الضروريتين لمواجهة العالم.
قد يتعرّض للقلق والاكتئاب على المدى البعيد.
يعاني من الفشل الكبير في نواحي التكيّف والتوافق الاجتماعي.
تأصّل الخوف والرّعب والقلق في نفسه.
انتظرونا في الجزء الثاني من : قواعد ذهبية لبناء طفل متوازن الشخصية