مقدمة ..
نحن نعيش الأن فى عصر رقمى متغير بطريقة سريعة، وهذا التغيير لم يحدث فى عالم التكنولوجيا فقط ولكن التغيير طال كل المجالات وما بين هذه المجالات الحروب، شهدت الحروب تطورًا كبيرًا في أساليبها وأدواتها. لم تعد الحروب مقتصرة على المواجهات العسكرية التقليدية بين جيوش الدول وعلى أرض أحد الطرفين أو على الأرض المتنازع عليها، بل تطورت لتشمل أشكالًا جديدة ومعقدة من الصراعات. من بين هذه الأشكال، تبرز حروب الجيل الرابع كواحدة من أكثر التحديات تعقيدًا التي تواجه الدول والمجتمعات في القرن الحادي والعشرين.
ولكن قبل أن نتحدث عن حروب الجيل الرابع، السؤال الذى يتبادر إلى الأذهان هل هناك حروب جيل أول وثانى إلى أن نصل لحروب جيل رابع وخامس؟ وما المقصود بالحروب التقليدية؟ وما معنى الحرب ؟
تعريف القانون الدولي للحرب:”نضال القوات المسلحة لكل من الفريقين المتنازعين، يرمي به كل منهما إلي صيانة حقوقه و مصالحه في مواجهة الطرف الأخر”.
يقصد بالحرب التقليدية : «ذلك النوع من الحروب الذي تخوضه – بصفة أساسية – القوات النظامية لدولة أو أكثر ضد دولة أو أكثر. هذه الحروب عسكريا تعتمد على الاستراتيجية، والتكتيك، والتسليح (كما وكيفا)، ثم إدارة العمليات العسكرية مباشرة، وهى تهدف لكسر إرادة العدو وفرض الإرادة الأخرى عليه»
حروب الجيل الأول (حرب تقليدية) : الخبير العسكري والكاتب الأمريكي ويليام ليند عرفها بأنها حروب الفترة من”1648 حتى 1860 ” وسميت بالحروب التقليدية (Conventional War ) والتى تعتمد على القوة البشرية كبيرة العدد وتحدث بين جيوش نظامية يمثلون دول معينة وأرض معارك محددة بين جيشين في مواجهة مباشرة، يسعى كل طرف الفوز بالحرب، مثل الحـروب النابليون في أوائل القـرن التاسـع عـشر.
حروب الجيل الثاني (حرب شبة تقليدية) : ظهرت من جانب الجيش الفرنسى والذى تبنى مبـدأ: “المدفعيـة تهـزم والمشـاة تحتـل”، وتطورت قبل وبعد الحرب العالمية الأولى يعرفها البعض بحرب العصابات (Guerilla War) والتي كانت تدور فى دول أمريكا اللاتينية وهي شبيهة بالجيل الأول من الحروب التقليدية ولكن تم فيها إستخدام الأسلحة الثقيلة (النيران والدبابات والطائرات) بين العصابات والأطراف المتنازعة، مثل الحرب العالمية الأولى .
حروب الجيل الثالث (حرب الإستباقية) : كان بداية ظهورها فى الجيش الألمانى، والتى يطلق عليها بالحروب الخاطفة أوالوقائية (Preventive War) ، وقد طوُرَت هذه الحروب من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية وسميت بحرب المناورات وتميزت بالمرونة وخفة الحركة وأستخدم فيها عنصر المفاجأة والقتال خلف خطوط العدو، مثل الحرب على العراق
حروب الجيل الرابع (حرب لا عنف) : إتفق العسكريون بأن حروب الجيل الرابع هي حرب أمريكية خالصة طورت من قبل الجيش الأمريكي بعد هجمات 11 ستمبر وعرفوها بـ “الحرب اللا متماثلة” Asymmetric Warfare)) وهى تشمل جميع أركان الدولة المستهدفة (عسكرية- أمنية- اقتصادية- اجتماعية- سياسية، حيث تعتمـد علـى توظيـف أسـلوب حـرب العصابـات والمرتزقة، لإقناع متخـذ القرار السـياسي للخصـم بـأن الأهـداف الاسـتراتيجية التـي يسـعى لتحقيقهـا إمـا أنـه لا يمكـن تحقيقهـا، أو أنهـا مكلفـة للغايـة مقارنـة بالعوائد المتوقعـة. ( الحرب فى أفغانستان )
تعريف حروب الجيل الرابع :
حروب الجيل الرابع هي نوع من الحروب غير التقليدية التي تعتمد على استخدام وسائل غير عسكرية لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. تشمل هذه الوسائل الهجمات السيبرانية، والحروب النفسية، والإعلامية، والاقتصادية، بالإضافة إلى استخدام الجماعات المسلحة غير النظامية (المليشيات) .
حرب «احتلال العقول لا الأرض» ؛ لتجعل المجتمع محورًا أساسيًّا؛ لإيجاد جماعات متطرّفة وعصابات منظّمة تعمل فى قطاعات مختلفة (الاقتصاد والسياسة والاجتماع)، والمساهمة في خلق توترات داخليَّة فيها.
هدفها :
إنهاك المؤسسات واستنزاف موارد وقوى الدولة وتآكلها ببطء حتى تسقط ويتم تفكيكها وتقسيمها. ووضعها في مواجهة صراعات داخليَّة، والتشكيك فى كل شئ من خلال : (نشر الشائعات والأخبار الكاذبة والصور المفبركة، الترويج للأفكار الشاذة والمتطرفة، إثارة الفوضى الخلاقة) حتى يفقد الشعب الثقة فى نظام الحكم وفى أى إنجاز يتحقق، مما يؤدى إلى تكدير السلم المجتمعى.
فرض واقع جديد وتغيير فى الحدود الجغرافية للدولة يصب فى مصلحة العدو
أدواتها :
بدءا من السلاح المتعارف عليه وصولًا إلى الحرب الإلكترونية والسيبرانيَّة والإعلامية (حرب المعلومات) ، زراعها الطولى المستخدمة هى التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وتحريك الشعب لخدمة أهداف الدولة المعتدية. وقد يتم اللجوء فيها إلى أدوات أخرى
⚛︎ كإغراق البلد بالمخدرات، محاربة الدين بالفكر المتطرف، ونشر الإباحية والفساد وعدم المنطق باسم مصطلحات مثل الحرية- الديمقراطية- حقوق الإنسان، والمشكلات الاجتماعيَّة والقوميَّة، ضرب الاقتصاد القومى من خلال خلق الأزمات وتوتر العلاقات الاقتصادية والتجارية، والتحكم فى البورصات العالمية، زعزعة الثقة فى كل ما هو من ثوابت الدولة والجذور التاريخية لإفساد الأخلاق والقضاء على الوعى المجتمعى والتعاليم الدينية التى تدعو إلى البناء والإنسانية والسلام، مما يساهم كل هذا في ضَعف الجهة الداخلية فى الدولة المستهدفة .
⚛︎ المظاهرات التى ترفع شعار السلمية ومطالبة بالعدالة الإجتماعية وتحسين مستوى المعيشة، وهى مطالب مشروعة فى ظاهرها حتى تستطيع أن تكسب تعاطف المواطنين – ولكن كمن دس السم فى العسل- حيث يتم الإعتداء على المؤسسات الحكومية والعامة والمنشآت الخاصة، وقتل بعض المواطنين لإلصاق التهمة فى الجيش والشرطة لغرس الكراهية وكسر تلاحم نسيج الوطن .
⚛︎ الإرهاب كأحد أهم أزرع هذه الحروب
⚛︎ القوة الناعمة من أفلام ومسلسلات وبرامج التوك شو لتغيير عادات وتقاليد الشعوب من خلال بث أفكار لتغيير الهُوية الثقافية وتوسيع مساحة الخلافات بين طوائف المجتمع لتأجيج نزاعات التمرد للأقليات الدينية والعرقية، والسخرية وتشوية الرموز الوطنية
خصائص حروب الجيل الرابع :
1 – عدم وضوح أطراف الحرب : فقد يكون أحد أطرافها قوات نظامية (جيش دولة) أما الطرف الآخر قد يكون دولة (أجهزتها الأمنية والاستخباراتية) أو جماعة مأجورة مسلحة (وهذا ما نشهدة بوضوح فى المشهد الذى يحدث منذ سنوات فى منطقتنا العربية) ما قد تكون لها أهداف مشروعة أو غير مشروعة.
2 – اللامركزية : تعتمد حروب الجيل الرابع على الهجمات اللامركزية التي تنفذها جماعات مسلحة صغيرة وعمليات إرهابية، مما يجعل من الصعب تتبعهم أو القضاء عليهم.
3 – اسـتهداف المدنيـن : والإعتماد على حركات التمـرد والجماعات المسلحة يضـم كلاً مـن المدنيـن والمقاتلـن عـى حـدٍ سـواء، فضـلاً عـن أن القتـال يتـم في مناطـق مكتظـة بالسـكان، ويتـم اسـتخدام الأسـلحة التقليديـة مـن جانـب الجيـوش، والتـي لا تصلـح للاسـتخدام في المناطـق المدنيـة، تـؤدي لوقـوع عـدد كبـر مـن الضحايـا المدنيـن.
4 – اتساع مسرح العمليات : فالقطاع المدني جزء أساسي في هذه الحروب سواء كمستهدف من أعمال الحروب غير التقليدية أو كمشارك فيها أو كعنصر تأثير على صانع القرار السياسي.
5 – تدخـل أطـراف خارجيـة : حيث لا تقتـصر الحـرب علـى أطرافهـا المبـاشرة فقـط، فقـد تقـدم دولـة مـا أو فواعـل مسـلحة مـن غيـر الـدول الدعـم لمقاتـي دولـة وإحداث مجاعـة بهـدف تحقيـق أغـراض سياسـية تتمثـل في إطالـة أمـد الحـرب أو اسـتنزاف الخصـم (مثل ما يحدث بالسودان).
6 – استخدام التكنولوجيا : تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في هذه الحروب، حيث تُستخدم الهجمات السيبرانية لتعطيل البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء- وقطاع البنوك والطيران، وسرقة المعلومات الحساسة من جهات مهمة فى الدولة والبنوك من أجل نشر الفوضى.
7 – عدم وجود القوانين منظمة لتلك الحروب غير التقليدية : فليس لها حدود جغرافية معينة أو نوعية الأسلحة المسموح بإستخدامها كل شئ مباح. بمعنى أنها حرب بدون قواعد فهي وسط الشعب وتستهدف كل عناصر القوة الشاملة للدولة.
8 – الحرب النفسية والإعلامية : تُستخدم وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعى لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة والصور وفيديوهات مفبركة بهدف زعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي للمجتمعات المستهدفة.
9 – التكلفة المنخفضة : مقارنة بالحروب التقليدية، تُعتبر حروب الجيل الرابع أقل تكلفة من حيث الموارد المالية والبشرية، مما يجعلها خيارًا جذابًا للجهات الفاعلة .
استراتيجيات المواجهة :
لمواجهة تحديات حروب الجيل الرابع، يجب على الدول تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل :
تعزيز الأمن السيبراني : يجب على الدول الاستثمار في تطوير قدراتها السيبرانية لحماية بنيتها التحتية الحيوية ومعلوماتها الحساسة.
التوعية والتثقيف : نشر الوعي بين المواطنين حول أساليب الحروب النفسية والإعلامية وكيفية التحقق من المعلومات قبل تصديقها أو نشرها
التعاون الدولي : تعزيز التعاون بين الدول لتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الهجمات السيبرانية والجماعات المسلحة غير النظامية.
تطوير القدرات الاستخباراتية : تحسين قدرات الاستخبارات لجمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالتهديدات المتوقعة غير التقليدية.
مصدر المعلومة أو الخبر : لابد من تحرى الدقة قبل أن تقوم بنشر الخبر أو الترويج لصورة أو مقطع فيديو حتى لا تصبح كمن أطلق رصاصة وهو لا يقصد فى صدر الوطن، وأصبح كل الجهات الحكومية المهمة لديها صفحات على وسائل التواصل الإجتماعى ومواقع على النت يتاح بها المعلومات الموثقة.
ختـــــــــــــــــاما …
تُعد حروب الجيل الرابع تحديًا كبيرًا أمام أى دولة يتطلب جهدًا كبيرًا من خلال تبني استراتيجيات شاملة ومتعددة الأبعاد لمواجهتها من أجل تقليل تأثير هذه الحروب وحماية أمنها واستقرارها.
وأستطيع أن أقول وبضمير مطمئن أن أهم جندى فى هذه المعركة الشرسة هو المواطن البسيط، لأن هذه الحرب تقوم على تحريك الشعب لهدم وطنه من الداخل وتآكل مؤسساته العميقة مثل (الجيش- القضاء- الداخلية). لذا يجب علينا جميعًا العمل على نشر الوعى كل فى مكانه وموقعه لأن حماية الوطن وتماسكه لم تعد مسئولية الجيش والشرطة فقط ولكن مسئولية جميع أبناء الوطن.
حفظ الله مصر من مخططات الشر وجعل شعبها فى رباط إلى يوم الدين.
د. رهام العصفورى مدرب دولى معتمد و مدرب معتمد من النقابة العامة لمدربى التنمية البشرية
وسفير الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى بجامعة النيل – عضو المعهد العربى للاعتماد
حاصل على ISO9001, 29993, 29994