أثر الدلال الزائد للطفل على الشخصية ومستقبله
بقلم : د / رمضان أبو ضيف


مقـــــــــــــدمة …

الدلال الزائد ( الدلع ) هو نمط من التربية يتميز بإغداق الحب والعناية بطريقة مبالغ فيها، تتجاوز حدود احتياجات الطفل الفعلية، في هذا السياق، يصبح الدلال الزائد ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الحب، بل أسلوباً يعيق الطفل عن اكتساب المهارات الحياتية الأساسية،  على الرغم من أن نية الآباء غالباً ما تكون إيجابية، إلا أن آثار هذا النمط من التربية قد تكون عكسية تماماً، حيث يمكن أن تؤدي إلى ضعف الشخصية وعدم القدرة على مواجهة تحديات الحياة .

مفهوم الدلال الزائد :

يشير الدلال الزائد إلى تقديم مستوى مفرط من الاهتمام أو المساعدة أو التقدير للطفل، حتى في الحالات التي لا يحتاج فيها الطفل إلى ذلك، ويرتبط هذا المفهوم بمصطلح “Overindulgence”، الذي يعبر عن تجاوز الحد في توفير الحاجات المادية أو العاطفية، مما يؤدي إلى حرمان الطفل من فرصة تنمية المهارات اللازمة لتحقيق الاستقلالية .

مظاهر الدلال الزائد :

1️⃣ تلبية جميع الطلبات دون قيود :  تلبية رغبات الطفل دون تفكير في العواقب، حتى وإن كانت غير منطقية .
2️⃣ الحماية من عواقب الأفعال :  منع الطفل من مواجهة نتائج أفعاله، سواء كانت إيجابية أو سلبية .
3️⃣ عدم فرض القواعد أو الحدود :  السماح للطفل بفعل كل ما يريد دون توجيه أو تقويم .
4️⃣ الإشباع العاطفي المفرط :  التعبير عن الحب بطرق مفرطة تعيق تنمية الشعور بالمسؤولية .

الأسباب التي تؤدي إلى الدلال الزائد :

1️⃣ الرغبة في تقديم الأفضل :  شعور الأهل بأنهم يقدمون الحب والرعاية بشكل مثالي .
2️⃣ تعويض الحرمان :  محاولة الآباء تعويض ما فقدوه في طفولتهم من خلال تقديم ما لم يُمنح لهم .
3️⃣ الخوف من الإحباط :  القلق من رؤية الطفل يعاني من الإحباط أو الفشل .
4️⃣ عدم الوعي بالتوازن : اعتقاد الآباء أن المزيد من الحب والرعاية هو الحل الأمثل .

التأثير السلبي للدلال الزائد على الشخصية :

1️⃣ على الجانب النفسي :

⚛︎ ضعف الثقة بالنفس : عندما لا يُسمح للطفل بخوض التحديات بنفسه، ينمو لديه شعور دائم بعدم القدرة على تحقيق الإنجازات بمفرده .
⚛︎ الاعتماد الزائد على الآخرين :  الطفل الذي يعتاد على حصوله على كل شيء دون جهد يصبح غير قادر على اتخاذ القرارات أو الاعتماد على نفسه .
⚛︎ الخوف من الفشل : نتيجة للحماية المفرطة وعدم مواجهة التحديات، ينشأ لدى الطفل خوف دائم من الفشل

2️⃣ على الجانب الاجتماعي :

⚛︎ أنانية وسلوكيات متمركزة حول الذات :  يصبح الطفل معتاداً على أن يكون محور الاهتمام، مما يجعله يواجه صعوبة في التفاعل مع الآخرين .
⚛︎ صعوبة التكيف مع القواعد :  الدلال الزائد يجعل الطفل غير قادر على احترام القواعد الاجتماعية أو الالتزام بها.
⚛︎ ضعف العلاقات الشخصية :  قد يجد الطفل صعوبة في بناء علاقات متوازنة لأن توقعاته من الآخرين غالباً ما تكون غير واقعية

3️⃣ على الجانب الأكاديمي والمهني :

⚛︎ ضعف الحافز الشخصي : عندما يحصل الطفل على كل شيء بسهولة، يصبح غير مهتم ببذل الجهد لتحقيق الأهداف .
⚛︎ عدم القدرة على حل المشكلات :  قلة الخبرة في التعامل مع التحديات تجعل الفرد غير مستعد لمواجهة ضغوط العمل أو الدراسة .

4️⃣ على المدى الطويل :

⚛︎ الشعور بالإحباط :  عندما يدرك الشخص أن العالم الحقيقي لا يلبي جميع رغباته كما اعتاد، يشعر بالإحباط والخذلان .
⚛︎ القلق والاكتئاب :  غياب المهارات الحياتية قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب .
⚛︎ صعوبة اتخاذ القرارات :  الاعتماد على الآخرين في اتخاذ القرارات يجعل الشخص يشعر بالعجز عند مواجهة اختيارات كبيرة .

أمثلة واقعية :

توضح الدراسات أن الأطفال الذين تربوا في بيئات تسودها الدلال الزائد يواجهون صعوبة في بناء شخصية ناضجة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة من جامعة هارفارد أن الطلاب الذين اعتادوا الحصول على كل شيء بسهولة يواجهون معدلات أعلى من الفشل الأكاديمي والشعور بعدم الرضا مقارنةً بزملائهم الذين تعلموا الاستقلالية منذ الصغر .

كيفية تجنب تأثيرات الدلال الزائد :

1️⃣ التوازن بين الحب والانضباط : ينبغي على الآباء تقديم الحب والرعاية مع وضع حدود واضحة لسلوكيات الطفل . القواعد والانضباط جزء أساسي من التربية الصحيحة .
2️⃣ تشجيع الطفل على تحمل المسؤولية : منح الطفل فرصاً لتحمل المسؤولية في المهام اليومية يساعده على تطوير الشعور بالكفاءة والاعتماد على الذات .
3️⃣ السماح بالخطأ والتعلم منه : الأخطاء جزء طبيعي من عملية التعلم. السماح للطفل بارتكاب الأخطاء يساعده على تطوير مهارات حل المشكلات .
4️⃣ تعليم قيمة الجهد : تشجيع الطفل على بذل الجهد لتحقيق أهدافه يعزز لديه الشعور بالقيمة الذاتية والاستحقاق .
5️⃣ الوعي بالعواقب : تعليم الطفل أن لكل فعل عواقب، سواء كانت إيجابية أو سلبية، يساعد في بناء شخصيته وتعزيز نضجه .

ختـــــــــــــاما …

الدلال الزائد قد يبدو في البداية وسيلة للتعبير عن الحب، لكنه في الواقع قد يؤدي إلى تكوين شخصية ضعيفة وغير مستقلة. التربية المتوازنة التي تجمع بين الحب والانضباط تمنح الطفل فرصة للنمو بشكل صحي ومتوازن. لذا، يجب أن يدرك الآباء أن أفضل ما يمكن تقديمه لأطفالهم ليس حماية مفرطة أو تلبية لكل رغبة، بل إعدادهم لمواجهة الحياة بثقة وكفاءة .

د / رمضان ابو ضيف ابو غازى
مدرب دولى – إستشاري اعداد المدربين بالنقابة العامة والخبير بالمعهد العربي للاعتماد

التعليقات معطلة.